ومن
تطرفات الصوفية , وزيادتهم , وغلوهم وتعنتهم , ومبالغتهم في الخوف من الله تعالى
كما ذكر صاحب " الأخلاق المتبولية " عن مشايخه أن كل واحد منهم يغلب
عليه البكاء والخوف , فيصير يتمرغ في الأرض كالطير المذبوح [1] .
وأيضا
" الصوفية دائما يخافون أن يمسخ الله صورهم صورة كلب أو خنزير " [2] .
وقالوا
: " ومن أخلاق الصوفية خوفهم أن الله تعالى يخسف بهم الأرض " [3] .
وذكر
الكلاباذي والنفزي الرندي والشعراني وغيرهم عن السري السقطي أنه قال :
"
إني لأنظر في المرآة كل يوم مراراً مخافة أن يكون قد أسود ّ وجهي " [4] .
ونقولوا
عن الكرخي أنه قال :
"
خاف أن لا يقبلني فأفتضح " [5] .
هذا
ولقد حكى الصوفية عن أبي حفص أنه قال :
"
منذ أربعين سنة أعتقد في نفسي أن الله ينظر إليّ نظر السخط " [6] .
وروى
اليافعي عن أبي بكر الوراق أنه قال :
"
ربما أصلي لله تعالى ركعتين فأنصرف عنهما وأنا بمنزلة من ينصرف عن السرقة من
الحياء " [7]
.
وحكى
العطار عن فتح الموصلي أنه كان يبكي كثيرا حتى جرى الدم من عينيه , فسئل : لماذا
هذا البكاء الشديد ؟
قال
: خوفا من الله [8]
.
وقيل
: " إن عطاء السلمي لم يضحك أربعين سنة , وهذا كان حال سائر عباد البصرة غلبت
عليهم المخاوف فكان حالهم الحزن " [9] .
وقد
عدّ المتصوفة الحزن الدائم وعدم الضحك من علائم الخشية والتقوى مع أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم – وهو أتقى العالمين وأخشاهم لله – كان يضحك ويبستم , وقد روى
عن عبد الله بن الحارث أنه قال :
"
ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم " [10] .
وقد
ذكر أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
"
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا , فأرسلني يوما لحاجة , فقلت
: والله لا أذهب , وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
فخرجت حتى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السوق , فإذا رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقد قبض بقفاي من ورائي , قال : فنظرت إليه وهو يضحك , فقال :
(
يا أنيس , ذهبت حيث أمرتك ؟ )
قلت
: نعم , أنا أذهب يا رسول الله [11] .
وعنه
أيضا , قال : " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني
غليظ الحاشية , فأدركه أعرابي , فحبذه بردائه جبذة شديدة , ورجع نبي الله صلى الله
عليه وسلم في نحر الأعرابي حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد أثرت بها حاشية البرد من شدّة جبذته , ثم قال : يا محمد , مر لي من مال الله
الذي عندك , فألتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم ضحك , ثم أمر له بعطاء
" [12] .
[1] أنظر الأخلاق المتبولية
لعبد الوهاب الشعراني ج1 ص 149 .
[2] أيضا ج 1 ص 442 .
[3] أيضا 442 .
[4] التعرف لمذهب أهل التصوف ص
70 , أيضا غيث المواهب ج1 ص 134 , أيضا الأنوار القدسية للشعراني ج2 ص 12 .
[5] الأنوار القدسية للشعراني
ج 2 ص 212 , 1 الأخلاق المتبولية ج 3 ص 153 .
[6] غيث المواهب العلية للنفزي
الرندي ج 1 ص 133 بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ط القاهرة .
[7] نشر المحاسن الغالية
لليافعي ج 1 ص 383 بهامش جامع كرامات الأولياء ط دار رضا .
[8] تذكرة الأولياء للعطار ص
157 .
[9] حياة القلوب في كيفية
الوصول إلى المحبوب لعماد الدين الأموي ص 15 بهامش قوت القلوب لأبي طالب المكي
ط دار صادر بيروت .
[10] رواه الترمذي .
[11] رواه مسلم .
[12] متفق عليه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.